حين سألت عم جمال الرجل المزواج عن جوازته الجديدة
وببجاحة سألته السؤال الرخم إياه : عامل إيه مع الجماعة الجديدة يا عم جمال أياك تكون ما رفعتش راسنا ؟
توقعت أن تتعالى ضحكاته كما يفعل كل مرة حين يتزوج جديدا
ولكن تلك المرة رفع رأسه التى كانت بين رجليه وهو جالس وقال لى بحزن من فقد عزيزا عليه:
لساكو فاكرين إن الواحد بقى ليه نفس
عمك جمال خلاص يابنى مبقاش عمك جمال
تعجبت في نفسي وسألته سؤال أكثر غباوة من الأولانى : أومال بقى إيه يا عم الحاج ؟
قالى وهو يضحك ضحكة المجاملة كمن يضحكون أمام وجه المسئولين في الخطب :
إنت بتتكلم على إيه
مفيش نفس لأي حاجة
الشغل اتضرب والكشك مش جايب همه والعيال مرطرطين وصيع من غير لا شغلة ولا مشغلة
عايزين يشيلوا الكشك عشان الست هاتيجي تزور المكتبة بتاعت مشروع "السكافة للجميع" والواحد بقى بيتضرب على حنطور عينه ولا يقدر يفتح بقه ويقول بم
ده حتى الميه قاطعة ولما اشتكينا محدش سأل فينا
ولما جت الست الزيارة كل حاجة في الحتة اتصلحت
إحنا خلاص يابيه مبقاش لينا عازة في الدنيا
الراجل مننا مبقاش راجل
الواحد مش حاسس أنه راجل
هيعرف إزاي يفتري ويسترجل على الولية في البيت
وشد نفس دخان جامد قلت صدره هيتقطع فيه من السيجارة السوبر التى لا تفارق سبابته ووسطاه
يا بيه أنا زمان كنت متجوز اتنين وكانوا بيدعوا عليا من كتر ما شافوا منى
دلوقتى الولية لوحدها برضه بتدعي عليا بس المرة دي عشان مش شايفة حاجة خالص
هنا جاء دوري لأسأله السؤال الأكثر بلاهة في القعدة كلها لما قلتله :
طب وإيه الفرق بين زمان ودلوقتى يا عم جمال ده حتى انت من جيل السمنة البلدى
نظر في عيني وكأنه يتساءل عن سر الغباء اللامتناهى الذي أتمتع به ثم قال وهو يتنهد :
هي المشكلة مشكلة سمنة
المشكلة ياسيدي "خلى بالك بطل يقولي يابيه"
في سدة النفس اللى الواحد عايشها
إحنا لا مؤاخذة في مصر بقينا عايشين زي الخنازرة"الخنازير بلغة عم جمال"
الواحد مبقاش يحتكم على مروة ولا جدعنة ولا كرامة ولا شهامة
احنا واحنا قدكوا في السن كان المصري ده يرفع راسه في اي حتة ويقول أنا مصري
أيام عبناصر الله يرحمه
ساعتها الواحد كان بيحس إنه راجل في أي حتة ومع أي بني آدم وخصوصا مراته
عجبت لكونه يربط بين عبد الناصر والفحولة الجنسية
فسألته للدرجة دي بتحب عبد الناصر ده حتى عذب الناس في المعتقلات وجاب النكسة لمصر
طولت نظرته ليا المرة دي وحسيت ساعتها إنه بيشتمنى في سره
وقال لي :إنت مع حزب قول لأ كده علطول
الناس عمرها ما هتنسى اللى عمله عبد الناصر
عبد الناصر لا مؤاخذة يا أستاذ كان راجل
لما رئيس بلدك يبقى ميهموش حد ولا حاجة قد كرامة البنى آدم يبقى راجل
لما يقف مع الغلبان في المرة ويديله ويساعده يبقى راجل
لما في عز ساعة الشدة يقولك إرفع رأسك يا أخي يبقى راجل
لما يقولك طول ما عندنا فحل البصل والعيش البتاو أنا ميهمنيش حصار أي عفريت يبقى راجل
ولما الريس يبقى راجل يخلى الناس كلها تحس بنفسها وبقيمتها
إحنا أيام النكسة كنا عايشين أحسن من دلوقتى
عبناصر يابيه عنده حاجة في وشه تديلك احساس أنه واقف جنبك وهيساعدك لو انت مظلوم
حاجة تخليك تحبه كده لله في لله
تضاربت تلك الكلمات في رأسي الذي اكتشفت فجأة إنه غير قادر على التفكير الصحيح
واسترجعت صورة لرئيس جمهورية يقف ويهز كتفيه ويشاور بايديه متعجبا وينظر لك كالمساكين ويقول لك
أجيب منين
بطلوا تخلفوا شوية
إنتوا داخلين على أيام سودة
أنا مقدرش أحارب أمريكا ولا اسرائيل
ثم يأتى لك بضعفه هذا ليفرض عليك حياتك
ويقسم أرزاق العبيد
ويصبح سبع السباع علينا نحن المساكين
فكيف سيكون إحساسك بالرجولة ساعتها
بدأت أقلق على مستقبلى وفكرت بعمق
ولكن عم جمال قاطعنى بسؤال مفاجئ
وقالى
فهمت أنا عايز أقول إيه
ساعتها لم أستطع الإجابة
فلم أعرف هل أنا فهمت أم مازالت تلاحقنى آثار الغباوة
ثم قلت في قرارة نفسي
ماليش دعوة بالكلام ده
أنا هقلق نفسي ليه
الحمد لله
أنا راجل